ياغايب عن عيوني أما آن الآوان تروي عطش حنيني في غربة الأحزان
و طالت طالت وحدتي و غابت غابت بسمتي..
آه يازماني آه من يأس الأماني آه..
و من ظلم الليالي اشكي همي و همي اشتكالي آه آه آه آه آه ياغايب..
* * * * * * *
الفصل العاشر.
– حبيبتي الدنيا مش بتقف على حد، ولازم تدور وتمشي.
قاطعته بحده وهي محتضنه اخر صوره التقطها مع زوجها رادفة:
– لا بتقف يا أمان، واكبر دليل انها وقفت عندي.. انا حياتي وقفت بموته، عقارب الساعة وقفت عند لحظة ما الموت خطفه من حضني في ثانيه، كل حاجة وقفت حواليها، وبقيت مش شايفة ولا بحس بحد ولا عايزه اشوف غير صورته، وكل يوم بدعي ربنا يقرب البعيد واروحله واعيش معاه في حياة الخلد.
– بعد الشر عنك متقوليش كده.
رمقته بوجع وتمني في نفس ذات الوقت، وقالت:
– شر الموت عمره ما كان شر، الموت في حالتي دي نعمه وأنا مع كل آسف مش طيلاها، هتفيد ايه حياتي وانا عايشة فيها جسد بيتحرك، زي الدمية من غير روح، يا أمان انا حاسة اني ميته، ومفيش حد حاسس بيا.
– ازاي تقولي كده وانتي دكتورة نفسية مفروض بتعالجي مرضى وتنصحيهم يكملوا حياتهم من تاني؟
ردت عليه بحزن ويأس:
– سهل يا أمان جدا تدي النصيحه لغيرك، لكن من الصعب انك تنفذها على نفسك، صدقني انا راضية بحياتي كده، هيفيد بأية اني اسمع كلامكم واظلم نفسي واظلم كمان اللي هتجوزه، لمجرد انكوا ترتاحوا، وانا اللي هعيش في النار، والنهاية هتكون محسومه بأني مش هقدر اكمل معاه.
لأ انا معنديش استعداد اني اقرب من أي راجل، او اديله الحق انه يقرب مني، مستحيل يا أمان، صدقني، قلبي مش ملك ايدي، وتقفل على حب أحمد وعمر ما حد هيشاركه ابدا.
– طب واخرتها اية؟
قالها والدها الذي جاء للتو بعد سماع اخر كلامها، وضع الكوب امامها ونظر بحسره على حالتها وقال:
– ليه عايزة تحرقي قلبي عليكِ يا بنتي؟ ليه مش عايزة تريحيني واطمن عليكِ قبل ما اقابل وجه كريم، انا مش هعيش العمر له معاكِ.
ردت عليه بصوت اشد حزن منه مسائلة:
– وانت ليه مش عايز تحس بالنار اللي جوه في قلبي؟
ليه كل شوية بتحط بنزين عليه عشان تزيد وتزيد لحد ما انا مش قادرة اتحمل أكتر من كده؟ ارجوك يا بابا اقفل موضوع جوازي ده نهائي لأني مش هقدر انفذه، مش هقدر انساه انا وعدته اني عمري ما هنساه، ومستحيل اخون وعدي.
– محدش قالك انسيه يا آلاء، خليكِ فاكراه، من أمتى الانسان بينسى عزيز عليه مات، بيفضل فاكره طول حياته وبيتحول لذكرى يفتكرها، بس بيكمل برضو حياته وبتستمر.
نهضت بفزع كمن اصابها لدغة عقرب سام، وقالت منهيه حديثها، ولاول مره تكون بهذه الحده هاتفه:
– اللي بتتكلم عنهم دول مش انا يا أمان، انا قولتها بدل المره الف، هعيش على ذكرى جوزي ومفيش راجل اتخلق على وجه الأرض هسمحله مجرد السماح انه يقرب مني، وقسمًا بربي لو اي حد، اي حد صمم وفتح الموضوع ده تاني، لهبعد عنكوا ومحدش هيعرف ليا مكان، اعيش انا وذكرياتي وبس.
– اخس عليكِ يا آلاء هي دي اخرة تربيتي فيكِ، مكنش العشم يا بنتي، عايزة تسيبي ابوكِ في اخر أيامه، وكل ده ليه؟ عشان نفسه يفرح بيكِ ويشوفك فرحانه ومستقره في بيتگ.
مسحت بيدها على وجهها، حتى تهدأ من ثورة غضبها، واخذت نفسًا عميقًا، واخرجته بهدوء، واقتربت من والدها وحبت على يداه، فـ بللت يده بدموعها قائلة له بترجي:
– حقگ عليا يا بابا، سامحني، وارجوگ بلاش نتكلم تاني في موضوع الجواز ده، لاننا كل ما بنتكلم فيه بتحصل مشكلة، انا مرتاحة كده، مش عايزة حد في حياتي، اكتفيت بجوزي لاخر يوم في عمري، ومش هتزف لعريس غيره، واكيد في يوم هروحله واكون عروسته في الجنة، وهيفرح بيا لما يلاقيني حافظت على عهده.
قالت حديثها وخيالها يصور لها لحظة اللقاء، فلانت ملامحها وتبسمت لمجرد انها ستلقاه في يوم، بينما تنهد الأب بوجع لها وعليها، ثم قال بقلة حيله:
– على راحتگ يا آلاء، بس خليكِ عارفة اني مش راضي عن تصرفاتگ دي، ولو موت هكون زعلان منگ.
– يا بابا ارحمني، وبلاش تضغط على اعصابي اكتر من كده.
– خلاص يا عمي مفيش داعي لكلام حضرتك ده، قوم معايا وروح اتوضى وصلي العصر وادعلها ربنا يفعل الصالح ويهديها.
حاضر يابني، ربنا يهديكِ يابنتي ويصلح حالگ يارب.
نهض وتركهما وكل منهما شارد فيما يحب، والصمت ساد، وحين طال، قام “أمان” ودعاها للاسترخاء لترتاح بعد معاناتها وتجديد الامها من جديد، وخرج صافح عمه واوصاه بالا يفتح معها الموضوع مجددا، خوفًا من فقدانها، وافقه على طلبه، ثم أنصرف لاسفل عند والدته بذهن شارد حزين.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
انتهت غزال ترتيب منزله واعداد طعام وضعته في المبرد، ثم صاحت منادية عليه ليجلس على مائدة الطعام ليأكل، تقدم نحوها وهو حامل حفيده واجلسه على ساقه حتى يطعمه فقالت معترضة:
– هاته يا بابا عشان تعرف تاكل، انا هأكله.
– لا يا غزال سيبه معايا، عايز اشبع منه، ومتخافيش هعرف اكله، ده انا ياما كنت بأكل ابوه وهو في سنه كده وكان بيطلع عيني.
ادرگ ما قاله عن ابنه، حين تغيرت ملامح وجهها، فـ أراد تغيير الموضوع قال:
– مش انتي برضو بتأكليه بانية، وحتة مكرونه؟
– اه بحاول معاه بس حاجات بسيطة كده من نفسه، بس بشيل البقسماط.
– خلاص انا هتعامل لا تقلقي.
بدأ “محمود” في اطعامه بكل حنان وصبر، حتى شعر بامتلاء معدته، اخذته منه “غزال” لتغسل له وجهه وتبدل ملابسه التي اتسخت، بعدها أتت بكوب من مشروب الكركديه قدمته له بابتسامة حب، ثم جلست بجواره تطعمه بيدها مثلما كان يفعل مع ابنها، حتى انتهى وحملت الاوعيه لتقوم بتنظيفها وغسلها، وهو اخذ منها الصغير يهدهده بحنان لينام ويسترخي.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
اوهمته “آلاء” بأنها ستنام، وحين سمعت غلق بابها، اعتدلت من جلستها، وامسكت بيد مرتعشه البوم ذكريتها، ظلت على حالها تبكي بتشنج، ودموعها تهطل بلا توقف محتضنه صورها مع زوجها الراحل، واناملها تمر على وجهه كأنها تلتمسه وتشعر بأنه امامه، ونسيج خيالها يغزل لها اجمل لحظات لم تحيا بالقرب منه، لكنها تسجت فقط في خيالها المريض بعشق حكم عليه بالاعدام من قبل ان يولد.
ظلت ترمقه بحب وهمست كأنما تريد انه فقط من يسمع قولها ولا احد غيره هاتفه:
– عمري ما هخون عهدي معاگ ابدا.. اطمئن يا حبيبي وارتاح في نومتگ، حبيبتگ هتفضل وهبالگ قلبها وروحها، وجسمها، اللي اتحرم على كل الرجالة من بعدگ، هيجي يوم والقاگ ياحبيب العمر كله، ونعيش مع بعض ونعوض ألم الفراق؛ ولحد اليوم ده ما يجي ثق اني مستحيل اكون لغيرگ لو فيها موتى، اطمن ومتخافش هقف قدام الكل ياحبيبي، تعالالي انت بس في نومي وعوض شوقي ليگ، هي ده الحاجة الوحيدة اللي بتصبرني على بعادگ متحرمنيش منها ارجوگ.
استمرت هكذا تناجيه بهمس، مقبلها بكل عشق، حتى تعبت من كثرة النواح على أجمل قصة حب لم تكتمل نهايتها بشكل سعيد؛ بل كانت نهاية مأساوية تحيا هي بداخلها ولا تستطيع أن تخرج من متاهتها، اغمضت عيناها بتعب واستلقت محتضنة صورتهما يوم كتب كتابها معه، وغفت لتهرب من هذا الواقع المرير؛ إلى عالمها الخيالي الذي تلتقي به دومًا في أحلامها.
لفت انتباه والدته شروده، فمنذ ان دلف وهو سارح وكأنه يحمل فوق اكتافه حمل ثقيل، جلست بجواره تحاول ان تستفهم عن سبب هذا الحزن والشرود، لم تجد منه إجابه الا انه حزين من أجل اخته، وقص باختصار ما دار منذ قليل، تأثرت لحالتها ودعت لها بأن الله يصلح لها الحال، امن على دعاها، ثم هرب منها لغرفته، ليختلي بنفسه او ربما هو يريد أن يقعد محاكمه سريعه على روحه بأنها خانت ذكرى زوجته واحب غيرها وتمناها من صميم فؤاده، فلماذا لم يصمت قلبه مثل أخته، ويعلن الحداد الباقي من عمره؟
ماذا حدث ليخونه بمجرد ان قرأ حروفها التي كانت بمثابة طلاسيم وتعويذة سحرته دون ان يشعر ؟!
فقد كان قلبه مغلق ومفتاحه فقدت في زحام الحياة، فمتى وجدته حبيبته وعبرت من خلال اسطرها وفتحت له باب العشق من جديد، ويا له العجب فعلت به كل ذلگ وهي لم تدري بما فعلته به ؟!
فـ أنها تملكت كل حواسه، واصبح محاصر بحبها ولا يستطيع أن يتحرر، فما هو الحل؟ لا يعلمه، بل كل الذي يريده أن يبقى عاشقًا متيمًا لها حتى لو لم تشعر به في يوم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
اعدت “غزال” لها وله كأسان من عصير الليمون، وتوجهت له وكان جالسًا في مكانه المفضل في شرفة الريسبشن على كرسيه الهزار، مغمض العينين في حالة استرخاء، وبجواره جهاز الراديو يستمع لبرامجه المفضلة ومسلسلاته التي كم يعشقها، وضعت الكأسان على المنضدة التي أمامه، وتنحنحت لتنبه بوجودها قائلة:
– اتفضل يا جدو العصير.
فتح عيونه وتبسم لها قائل:
– تسلم ايديگ يا بنتي، اقعدي معايا شوية واقفة ليه؟
جلست امامه ممسكه في يدها العصير الغير محلي، ترتشفه ببطئ، تستمع لتلگ المسلسل الاذاعي، متذكره ما مضى من عمرها وهي صغيرة حين كانت من هواه الاستماع للراديو، فاقت على سؤاله الذي يقوله لها بنبره فخر وسعاده لها:
– بس انا من وقت ما دخلتي وشوفتگ وانا نفسي اسألگ، عملتي اية خسسگ بالشكل ده ياغزال؟ انتي بسم الله ماشاء الله عليكِ وزنگ نزل اوي.
بادلته الابتسامه وقالت وهي تضع الكأس على المنضدة، وقالت بثقة شعر بأنها تسري بين احرفها بكل طلاقة، عكس ما مضى رادفة:
– الحكاية بتتلخص أني اتعرفت على السبب وعالجته، ولما اتعالجت بقيت بحرق كويس، مع النظام الغذائي اللي بحاول اتبعه صح، وجلسات بعملها لجهزة بتساعد على تفتين الدهون، كل ده ساعد على انقاص وزني بشكل ملحوظ، وطبعا غيرت عادات كتير غلط كنت لعملها.
– واية العادات دي اللي غيرتگ اوي كده؟
– اهمها النوم بدري، ومنع الاكل بعد الساعة ٧ او ٨ بالكتير، واصحى بدري عشان اتناول وجبه الفطار، انا كنت لغياها خالص من حياتي، والدكتور قالي اهم وجبة هي الفطار، مع طبعا شوية مشروبات بشربها بتساعد على الحرق.
– والله برافو عليكِ، بالارادة القوية هتحققي كل اللي عايزاه.
– فعلا يا بابا، انا عندي ارادة تخليني اهد جبال، مش ههد دهون بس، بس كل ده ملهوش أي قيمه بدون ما يكون جانبگ يا جدو السند اللي بيساعدگ ويقويگ، وربنا يخلي ليا ماما وسند، كانوا نعم السند اللي بيشجعني اني استمر.
ضحگ الجد وحدث نفسه وهو يرمقها بنظرات اعجاب شديدة، فظهرت معالمها التي كانت مدفونه داخل جسد ممتلئ، وكم تمنى انها كانت تفعل ذلگ وبجوارها ابنه الذي اشتاق له، وانه يكون لها هذا السند الذي تتمناه وبتشكر فيهما بدلا منه.
لاحظت شروده، فنهضت قائلة:
– هقوم أشوف شادي صحي ولا لسه، عشان نستعد اننا نروح قبل الليل ما يدخل.
– ما لسه بدري يا غزال، انتوا مونسني اوي.
– معلش هنبقى نيجي تاني، عشان بس بكره معاد تطعيمه ولازم يتطعم.
– ماشي حبيبتي، اللي تشوفيه، بس متقطعيش بيا بالله عليكِ.
– انا مقدرش ابدا اقطع بحضرتگ، خصوصا انگ عارف غلاوتگ عندي.
قبلته في جبهته، وتوجهت لابنها تحضر ملابسه وحفاضته، حتى تغير له، دخلت عليه وجدته مستيقظًا، داعبته بحب وقامت بدغدغته فضحگ بصوته، ثم جهزته وتركته مع جده، حتى ترتدي ملابسها.
صافحته واخذت طفله، فعانقه الجد بشده، وازاد في ضمته لدرجة انه بكا الصغير، فلا يعلم لماذا هذا الاحساس والقبضة التي نغزت قلبه، قبضة لا يعرف سبب لها، لكنه رسم على وجهه إبتسامه، وقالت له “غزال” موصيه اياه:
– انا شلت الاكل اللي مجهزاه ياجدو في الديب والتلاجه، يادوب لما تحب تاكل سخنه في الميكرويف وكل بألف هنا شفا، عقبال ما تيجي ام فتحي.
– والله يابنتي ما كان له لزوم تعبگ.
– مفيش تعب ولا حاجة يا جدو، ولو احتجت اي حاجة كلمني اجيلگ على طول، واهتم بصحتگ لو سمحت.
اومأ لها بعيناه، ثم تركته لتتوجه نحو منزلها، اشارت بيدها لسيارة أجره، وحين وقف، دلفت بالداخل وجلست برفقته ابنها، وتحركت بهم على العنوان الذي القته على السائق.
حين انصرفت “غزال” جلس “محمود” مره ثانية في شرفته، رمق الجدران بحسره، فقد عاود من جديد لوحدته، فالساعات التي مرت شعر بسعادة وروح تدب في المنزل بوجودهما معه، والآن كل شيء ساكن بلا روح، لعن غربة ولده وايضا غباءه، تنهد بحزن، وكاد أن ينهض ليدخل لغرفته؛ جاءه اتصال منه، فرد بلهفه قائلا:
– ازيگ يا فؤاد، وحشتني اوي يا بني، غيبتگ طالت اوي، مش هترجع بقى.
– انا كويس يا بابا، انت عامل اية؟
– تعبان من غيرگ، الضغط عالي عليا، ده حتى لسه غزال وشادي ماشيين من دقايق.
– غزال وشادي؟! اية اللي جابهم عندگ؟
– ايه مستغرب ليه كده، جت عشان بنت اصول وبتفهم في الواجب طلبت منها اشوف شادي، جبته، ومش كده وبس.
– وبعدين في اية تاني؟
قص له ما فعلته مع من اهتمام وحب ومراعيه، لكنه لم يذكر له كم اصبح شكلها، كان يسمع صمته وهو على يقين بما يدور في جوفه من ندم، وحين انتهى رد عليه بصوت مخنوق:
– غزال طول عمرها صاحبة واجب، وبتحبگ فعلا، كتر خيرها.
– طب ومادام هي صاحبة واجب وبتحبني؛ متستهلش منگ انگ تحاول معاها يا بني وترجعها؟
– صعب يا بابا، بل مستحيل، غزال مهما كانت طيبة عمرها ما هتقدر تلين او تسامحني، في حاجة انكسرت جوانا، واللي بيتكسر عمره ما بيتصلح، عارف أني صعب الاقي واحده زيها تاني، لكن أنا اللي مقدرتش النعمه اللي كانت معايا.
قال حديثة بانهزامية شديدة، اغضبت والده، فقال وهو ينهره بقوة:
– بلاش انهزامية واستسلام، انت غلطت غلط كبير، ومحتاج انگ عشان تصلح الجرم ده تحاول مره واتنين والف، عشان هي تستاهل، لكن تستسلم وتقول مستحيل من غير ما تحاول؛ هو ده الغلط بعينه، ده انت حتى سافرت من غير ما تحاول ولا تسلم على ابنگ، كأن ملكش ابن تعطف عليه، فضلت الهروب كعادتگ دايما من وانت صغير، تهرب بدل ما تحل المشكلة.
– خلاص يا بابا فات الوقت لكلامگ ده، انا سافرت وبعدت، واللي حصل حصل، واللي ليه نصيب هيشوفه، اشوفگ على خير عشان عندي شغل، سلام.
اغلق معه دون أن يعطي له الفرصة لسماع رده، نظر “محمود” لهاتفه في تعجب، وضرب كفيه ببعضهما وقال بوجع:
– عمرگ ما هتتغير يا فؤاد، هتفضل طول عمرگ دماغگ ناشفه وعنجهي، ربنا يهديگ ويصلحلگ حالگ يارب.
بينما حديث والده فتح جروح ظن “فؤاد” أنها التأمت واغلقت، شرد في غزاله التي اوقعها في شباكة، وظل ينظر لها وهي حبيسه مقيدة، راضخه لترويضه لها؛ لاغيًا لارادتها بأن تكون حره، طليقه تعمل وتجتهد، فمن بعدها كل النساء اصبحت سوساء بالنسبه له، صرف نظره عن التقرب لاياهم، ركز في عمله غير مبالي لنظرات تلگ العمليه التي تتحجج كل فترة لرؤيته والتقرب منه بحجج غير منطقية َعندما يعتذر يجد اللوم والغضب من قبل مديره، فلا أحد يعلم ما جانه قلبه من الهلث وراء عواطفه، فقد ابغض فؤاده الذي اوقعه في مأزق مرتان، ولا يوجد مقدره للغوض في حكاية جديدة، تنتهي بألم أكبر مما كان.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وصلت “غزال” لمنزلها واستقبلتها والدتها بشوق لها ولحفيدها الذي ارتمى بثقل جسده عليها، فحملته وقبلته بلهفه كأنه غائب عنها لايام وليس ساعات قليله، ابتسمت لحنان والدتها الشديد، فقبلتها ودلفت لغرفتها تأخذ حماما لتسلقي وتنام من بعد تعب هذا اليوم الطويل، تركت صغيرها معها تلاعبه واعتذرت لها واستلقت ونامت من التعب، لم تشعر بما مضى من وقت طويل، فقد كانت مستغرقة في النوم ولم تشعر بدلوف والدتها، وانسحابها حينما رأتها بهذا الشكل، من ينظر لها يظن ان لها شهور لم تذق عيناها النوم، اغلقت الباب في هدوء، وتوجهت لغرفة اخرى لتنام بداخلها هي وحفيدها الذي اطعمته، وحاولت ان تهدهده لينام، وبعد طول عذاب نام على يداها.
استيقظت “غزال” من نومها، تنظر حولها، فلم تجد ابنها بجوارها او في مهده الصغير، نهضت وقامت تبحث عن والدتها بالخارج، فلم تجدها، دلفت لغرفة الاطفال وجدتها نائمه وابنها نائم على يداها، ابتسمت براحه وتوجهت نحوه مقبلاه بحب، والتقطته لتحمله، فستيقظت والدتها منتفضه، فتبسمت لها قائلا:
– اهدي يا ماما، متتخضيش، انتوا نمتوا ليه هنا إمبارح؟
اعتدالت الأم في مجلسها وتثاوبت ثم قالت:
– مفيش لاقيتگ يا قلب امگ مستغرقة اوي في النوم محبتش اقلقگ، قفلت الباب بهدوء وجينا نمنا هنا.
– ليه بس ما تقلقيني اية المشكلة، اكيد شادي منيمكيش امبارح عشان الرضاعة؟
– هو غلبني اه، بس كل ما يقلق كنت مجهزه له رضعه لما بيصحي بياخد بوقين وينام تاني.
– بس انتي صاحية بدري ليه كده؟
– النهارده معاد الجرعة بتاعت شادي، وعايزة الحق افوقه كده عشان افطرة وننزل.
– ااه أنا نسيت، طب هقوم اسلق بيض عشان تفضروا.
– متتعبيش نفسگ أنا حطيته على النار أول ما صحيت، قومي اغسلي وشك وأنا هفوق الأستاذ عشان منتأخرش.
حاولت استفاقت النائم عن طريق عمل تمارين رياضية له لتفيقه، فتح عيناه السوداء مثل كحيلتها مبتسمًا لها، فحملته وضمته بكل عاطفه الأمومة داخل صدرها، ثم خرجت تغسل له وجهه وبدلت حفاضته، وجهزت له طعامه، وتناولت فطورها على عجل، ثم اخذت حماما سريعًا وبدلت ملابسها واسرعت متجهه نحو الصحه ليتناول الطفل جرعته، فنتظرت حتى جاء دورها بعد طول انتظار، فقد جاء حظها مع تلگ الحكيمه التي تتسم بالعصبيه وسرعة الغضب، دق قلبها بتردد، لكنها انتفضت على صوتها صائحه بصوت عالي:
– ما تتحركِ يامدام، خلينا نخلص، دا يوم ما يعلم بيه الا ربنا.
سارت ببطئ نحوها، لا تعلم لماذا قلبها منقبض بهذا الشكل، ناولتها ابنها، فأخذته بعنف، فضيقت “غزال” عيناها بغيظ قائلة:
– ما براحه شوية، انتي بتخطفيه مني كده ليه؟
رمقتها بغضب وعبوس:
– شيفاني هموته يعني، ولا عايزاني احسس عليه، خلينا نخلص، ورايا عشرات الأطفال لسه عايزين يطعموا.
وإلى هنا تنتهي احداثنا عند هذا الحد لنتعرف سويًا ماذا سيحدث من احداث مليئة بالاثارة والتشويق من روايتي الجديدة المتواضعة
“الغزال الباكي ”